رأسي المنفيّ عن جسدي
يولول، يريد العودة إلى ما كان عليه ذات يوم
وساوس احتلته مذ سنتين
ولم يبق فيه إلا غربان عديدة تنعب لا تحلّق عالياً.
*
عريشة كرمة خضراء
ختيار يقتعد تحتها وحيداً
عصفور يزقزق .
*
ما قبل الغروب
يحوم أبو زهور حول شجرة الحامض
يزقزق مسبّحاً كل ما في الكون
يحط على غصن ثم ينام.
*
في شهر شباط ينوّر شجر اللوز
الأبيض يجذب كل الأنظار التائقة إليه
دمعتان تسقطان على خدين جافين .
*
ورقة من رزمة أوراق تطير
تحط على شجرة
لا أحد يعرف ما خط عليها
سوى مؤرخ مغمور.
*
عواء يقصف صمت الليل
والغابة
طير يطير عن شجرة فزعاً.
إلى من يلوذ ؟
*
شجرة الزيتون التي اقتلعتها
الجرافات الاسرائيلية
لم تجد جذورها ولا أوراقها الراحة في
البارك الذي زرعت فيه
تحكي حكاية اجتثاثها واغترابها بصمت.
*
كل ما في المكان الفسيح
يثير الريبة والخوف
حمامة تلتقط أعشاباً يابسة لبناء عشها.
*
أثرثر مع النهر
لا يرد إلا بخرير خشن
ضفدعة تتقافز على حافة النهر .
*
كل الأقنعة التي رسموها له سقطت
لحاء شجر يابس يتساقط
القناع الوحيد الذي بقي
وجه حزين في غابة.
*
في أرض البحيرة التي جفّت
نمت طحالب
زخة مطر أيقظت حنين
البحيرة إلى ما كانت عليه .
*
الكوخ المهجور في داخلي
يحلم بالاستيقاظ
أعشاش عصافير تتزايد في
ألواح خشبه المسوّسة.
*
أزور امي كل اسبوعين مرة
العبق الذي يفوح هناك يروحن
أرى إلى أمي كومة من العظام
أحزن
ترفض أن أعد القهوة فتعدها هي بيدين مرتجفتين وهي على وشك السقوط
منذ خمسين عاماً حدبة كبيرة نبتت على ظهرها
ربما من شدة التعب والمصائب معاً
الأحفاد يزورونها يجلسون على مقربة منها ويربتون على حدبتها بحب
تبتسم
تصلي المسبحة ككتاب مقدس تحفظه على ظهر قلب
تكابر وتبتسم دائماً: أنها تضع كل التعب جانباً
كل أسبوعين أزورها مرة لأكبر بابتسامتها وحبها لكل الناس .
وديع سعادة
في بلاد نائية يعيش
يحلم بوطن مذبوح
يحفن من جمر كلمات قاموسه النادر حفنات الخبير
ينثرها على طاولته كالدرر
يختار القليل منها بعناية فائقة
يعيد الباقي منها إلى بخورها العابق الذي حمله معه من وطنه
على مهله يخط قصيدة تكون أحياناً أشبه بشظية
أو تكون في كل الاحوال أشبه بأيقونة لا تشبه أية ايقونة اخرى
الشاعر لا يبكي لأن الدموع جفت في مآقيه
فقط القصيدة تنزف باستمرار.
*
في منطقة بيت جمال
أجلس وحيداً تحت شجرة زيتون معمرّة تشهد لي
جرافات إسرائيلية تعمل بلا كلل على جرف كل ما هو فلسطيني هناك
مستوطنات تمتد وتتمدد كسرطان في جسد الارض الطيبة
لن يبقوا على تلك البقعة الفلسطينية الرائعة
طيور حجل تمشي باعتزاز
غزلان تظهر وتختفي
زعتر بري في أوج نضوجه يمنع قطفه
فراشات جميلة تحوم حول رأسي .
*
على سريسة يابسة
يزقزق عصفور
غيوم سوداء تجتاح السماء .
مسكب ورد
مسكب ورد صغير كانت أمي تعنى به في صغرنا
تغضب (وهي التي لا تغضب) عندما ننتزع وردة
ما رأيناها تضع ورداً على الطاولة
بل كانت تضع القليل أمام تمثال العذراء
عندما كبرنا قليلا أدركنا سر ذلك المسكب العزيز على قلب أمي
في اليوم السابق ليوم الجمعة الحزينة كانت أمي تقطف كل الورود
وباكراً كانت تحملها كلها هي واختي
إلى حيث يرقد أبي وشقيقيّ الذين قضوا باكراً قبل الأوان
أمي لم تحضر الأعراس
بل دأبت على حضور الجنازات فقط
كبرت أمي وأضناها التعب قبل الاوان
المسكب الذي عنت به خرب تماماً
كانت تنظر إليه أحياناً بأسى كبير كما لو أن موته كان شبيهاً بموت أولئك الذين تحبهم جداً ورحلوا باكراً
مسكب ورد من أجل الاموات فقط ؟!
مع العمر تحولّت أمي إلى حديقة ورد ايضاً.